المواضیع التربویة و الدعویة
صناعة الجهل وإلهاء الناس
صناعة الجهل وإلهاء الناس
في ظل التحولات العلميّة الكبيرة التي جاءت بها الحضارة العالميّة في مجالات متنوعة والتي تمثل تحولاً كبيراً وناجحاً، ثمة أيضاً تحول آخر في توظيف تلك المعارف إلى أهداف أخرى قد لا تكون أخلاقيّة بقدر ما هي معطوفة على استعمال واسع للتضليل والخداع وإن كانت هذه المرّة تقوم بتوظيف المعرفة وملحقاتها من أجل غايات مفارقة براغماتيّة.
إذ يظهر التضليل كمصطلح مهيمن يصف سلوكيات ما، تدخل في صناعة الجهل تقترن كلمة “تضليل” في المعجم العربي بالشرّ والباطل. وورد في لسان العرب لابن منظور في مادّة (ضلل) “التضليل تصيير الإنسان إلى الضلال، والتضلالُ كالتضليل. ووقع فلان في وادي تُضُلِّلَ وتُضَلِّلَ أي الباطل. ويقال للباطل: ضُلٌّ بتَضْلال… ومُضلَّلٌ: لا يُوفّق لخير أي ضالّ جدّا.  
فهذا يولد القناع المخادع الذي له آليّة في الصناعة المعرفيّة التي تعتمد من أجل تصنيع سلعي إعلامي، حتى بات الجهل والتضليل سلعة يوميّة تُنشر وتُسوّق للجمهور، من حكوماتٍ وشركاتٍ وأصحابِ نفوذ.
إذ أنّ الصناعة تقوم باختلاق وقائع وقناعات مخادعة مصنوعة بحرفيّة من أجل التضليل والخداع والتجهيل، بل هي توجد رمزا ووقائع تحل محل الواقع وتصبح ما فوق الواقع. فهي بالواقع ليست حقيقة بل اللا-حقيقة المطلقة، هي قناعها كما يرى بورديو.. وهذا الفعل القائم على توظيف المعرفة من أجل الهيمنة والتضليل فعل يستثير ثقافة المقاومة والوعي، التي بالضرورة تفترض بنا أن نبذل جهودا ذاتيّة ووعياً يبحث عن الحقيقة بعيداً عن العاطفة والأمنيات.  
اذن صناعة الجهل أنها الدراسة التي تعنى بدراسة الأفعال التي تعمد لنشر الارتباك والخداع، والتي يتم اللجوء إليها عادة لبيع منتج ما، أو لنيل حظوة لدى شخص أو مؤسسة.
والغريب والطريف أيضاُ في الوقت نفسه، أو عبارة عن صناعة قناعة ظاهرية، وهذه الحالة غير الطبيعية تتحول مباشرة إلى. نفاق ديني.
  وقد يكون التفسير المنطقي لهذا أن صناعة الجهل بالفعل علم سري قائم يتم استخدامه بصورة مكثفة للسيطرة على عقول وأفعال الشعوب.
وبالتأكيد، من أهم وسائل نشر صناعة الجهل على الصعيد العالمي شبكات الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي جمعاء، والتي تجتمع جميعاً على نشر حالة من "عدم المعرفة" الناجمة عن إتاحة معلومات متضاربة تصير مثيرة للجدل وتعمل على تأصيل حالة من الشك في اللاوعي.
 ومن أهم الأطراف المستفيدة من حالة الجهل المتعمد تلك هي: رجال الاقتصاد، والساسة.
ومثال لذلك، البرامج الحوارية التي تطرح قضايا مثيرة للجدل وتستضيف متخصصين ينقسمون فيما بينهم بين مؤيد ومعارض لقضايا شائكة. 

إن وسائل التضليل عديدة ومتنوعة، لكن من الواضح ان السيطرة على اجهزة المعلومات والصور على كل المستويات، تمثل وسيلة اساسية ويتم تأمين ذلك من خلال اعمال قاعدة بسيطة من قواعد اقتصاد السوق، فإمتلاك وسائل الاعلام والسيطرة عليها شأنه شأن اشكال الملكية الأخرى. متاح لمن يملكون رأس المال والنتجية الحتمية لذلك هي ان تصبح محطات الاذاعة والشبكات التلفزيون والصحف والمجلات وصناعة السينما ودور النشر مملوكة جميعاً لمجموعة من المؤسسات المشتركة والتكتلات الاعلامية وهكذا يصبح الجهاز الاعلامي جاهزاً تماماً للإضطلاع بجور فعال وحاسم في عملية التضليل. 

المصدر : https://aljadeedmagazine.com/
(مقدمة المترجم، جان بودريار، المصطنع والاصطناع )
(شيللر :كتاب المتلاعبون بالعقول )
728 مشاهدة
9/25/2022 12:41:43 PM
الاقسام

© Copyright 2018 All Rights Reserved.