المواضیع التربویة و الدعویة
كيف يكون الفرار إلى الله؟
كيف يكون الفرار إلى الله؟ 
القول في تأويل قوله تعالى : فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به, واتباع أمره, والعمل بطاعته 
 قال الله تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (50)   الذاريات
 
  فالفرار إلى الله ، كما يكون بالعمل بطاعته ، والتوبة إليه، يكون أيضا بالهجرة من دار الكفر إلى ‏دار الإسلام، ومن دار البدعة أو المعصية إلى دار السنة أو الطاعة، ومن أعدائه إلى أوليائه، فهو ‏متضمن للولاء والبراء والثبات على الدين، فالأول: فرار بالقلب ، والثاني : فرار بالجسد، والثالث : فرار ‏بالقلب والجسد معا، وكل نوع من الفرار مطلوب من المرء كلٍّ على حسب حاله ‏ ،والمسلم في حاجة دائمة إلى الفرار إلى الله تعالى ، والاستغفار والتوبة إليه في كل آن وحين، فبالفرار إلى الله سبحانه وتعالى والاستغفار والتوبة يستنزل الغيث، ويستجلب المال والولد، ويشتد ‏الساعد وتزيد القوة التي يتمكن بها المرء من فعل ما يريد، قال الله تعالى :” {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ ‏كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ ‏أَنْهَاراً” [نوح :10-12ا]،وقال تعالى” وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى ‏أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ” [هود:3] ‏ ،وقال تعالى :” وَ يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى ‏قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ” [هود :52].‏
 والفرار إلى الله تعالى ليس عملا قلبياً ،أو وجدانياً فحسب، ثم ينغلق المرء بعدها على نفسه ،فلا ‏يكون لذلك الفرار أثر في الواقع، ولكنَّ الفرار مبتدأه من القلب ثم ينساح على الجوارح كلها فيغمرها ‏فيه، حتى تكون تابعة له تعمل ما يأمرها به، ولا تمتنع منه،  كما في الصحيحين ، قال رسول الله ‏ (صلى الله عليه وسلم): (  أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ ) ، وكما ‏قال الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله تعالى عنه :” القلب ملك وله جنود، فإذا صلح الملك ‏صلحت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده”‏ ‏، وجنود القلب هي أعضاء البدن، فإذا كان الفرار ‏انغلاقا بالنفس عما حولها بحيث لا يؤثر فيها، فهو انسحاب من الحياة وهروب غير محمود، وهؤلاء ‏هم أصحاب رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ، عندما فروا إلى الله ، غيروا وجه الأرض ،حتى عمها التوحيد والعدل بعد أن ‏غلب عليها الشرك والظلم.‏
 
والعبد محتاج إلى الفرار إلى الله ولو كان على ‏غير معصية، بل يحتاج إلى الفرار إلى الله : قبل الطاعة ، وفي أثناء الطاعة ، وبعد الانتهاء منها ‏، قال الله تعالى لعباده وهم في أثناء طاعة من أجل الطاعات، وهي فريضة الحج: ” ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ ‏أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” [البقرة :199] ،فأمرهم بالاستغفار وهم يؤدون ‏النسك، كما أمرهم تعالى بالاستغفار بعدما أمرهم بكثير من الأعمال الصالحة والواجبات 

  كيف يكون الفرار إلى الله؟ (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) 
 
 والفرار إلى الله تعالى هو مصدر القوة والعزة والمنعة التي كان يعشها المسلمون الأولون، ‏وهو الذي كان سببا في انتصارهم وظهورهم على من ناوأهم ممن خالفهم وعاداهم ، حتى إن أحدهم ‏ليسرع الفرار إلى الله ولو كان في ذلك موته،  فعندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ‏بدر للمسلمين محرضا لهم على القتال، كما في صحيح مسلم : ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ ». قَالَ يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ قَالَ « نَعَمْ ». قَالَ بَخٍ بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ». قَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ « فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ». فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ – قَالَ – فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ. ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ ). وتقدم ‏رضي الله عنه للقتال مسرعا وهو يرتجز ويقول :  ركضا إلى الله بغير زاد    … إلا التقى وعمل المعاد ‏والصبر في الله على الجهاد..  وكل زاد عرضه النفاد غير التقى والبر والرشاد  
 
لقد تغير الحال ، وصار الكثير من المسلمين اليوم يفرون إلى عدو الله ، وعدو المسلمين، التماساً للقوة والعزة والمال منهم، حتى أن منهم من ينصر الكفار على المسلمين ،وقد ‏نهى الله تعالى المؤمنين عن هذا المسلك فقال تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ”  الممتحنة: 1  ، وبين حقيقة من يسلك هذا السبيل فقال تعالى :” فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ‏يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ ‏عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ” [المائدة :52]، وقال تعالى :” بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ ‏يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً” [النساء :139-‏‏138]، فلا عز لنا ولا نصر ولا كرامة، إلا أن يكون الفرار إلى الله تعالى وحده لا شريك له، دون ما ‏سواه من خلقه أجمعين .
https://hamidibrahem.com/
1074 مشاهدة
9/25/2022 1:45:20 PM
الاقسام

© Copyright 2018 All Rights Reserved.